الجمعة يوليو 28, 2017 12:47 am
فلسفـــــــة الأجيــــــــال !!
لا تعيب خصال العصر فلكل عصر أهل .. وأهل العصر بمكيالهم ومعيارهم .. يرون ما لا ترى في اللوحة المعروضة .. ملامح قد تمثل شوائباَ في عرف الماضي .. ولكنها قد تجد الاستحسان من أهل الحاضر .. فلكل زمن سمات وخصوصيات .. والاعوجاج في الماضي قد يكون من مناسك الصواب المحببة في عالم اليوم .. والسلوكيات المعيبة في عمق الماضي قد تكون من البديهيات المقبولة في عرف الحاضر .. والزينة الملهمة التي كانت سائدة ذات يوم قد تكون تلك الزينة التي تجلب السخرية لأمزجة اليوم .. والمارد في عرف القدماء قد يكون ذلك القزم في عرف الحاضرين .. وعثرات السلوك والمفاهيم في سنوات الماضي قد تكون من علامات التقدم والتحضر لدى أهل العصر الجديد .. والأعجب أن الكل يمدح عاداته وتقاليده وسلوكياته ويذم سلوكيات الآخرين .. وأهل الماضي الذين كانوا يشتكون من جور الأحوال في أيام حياتهم يتبدلون ليذموا أزمان الآخرين .. فذاك يقول : ( يا حسرة على الماضي ومفاهيم الماضي التي قد رحلت مع الأيام ) .. وذاك يقول : ( تلك الأيام كانت تمثل الجاهلية والتأخر والرجعية ) .. وسنة الأجيال أن تمجد أحوالها وسلوكياتها .. أجداد الأجداد كانوا يرون أيامهم هي الأفضل في عرف البشرية .. ومن الأمثلة أنهم كانوا يرون الزينة في المرأة تلك الأنوف المثقوبة وعليها حلقات واسعة من ذهب أو فضة أو نحاس .. كما كانوا يرون الزينة في تجريحات عميقة تتم في خدود الناس لترسم علامات أبدية تلاحق الإنسان حتى مشارف القبور .. كانت تلك التجريحات تسمى ( الشلوخ ) ..وهي علامات كانت تختلف من قبيلة لأخرى لتميز أهل قبيلة عن قبيلة .. ومن زينة المرأة لدى أجداد الأجداد تلوين الشفاه بلون الدمغة الرمادية .. زينة للشفاه كانت تتم من واقع قسوة مبالغة .. حيث الآلام التي كانت تلازم الأداء والتلوين .. تلك الطعنات للشفاه مئات المرات بالإبر الحادة حتى يتم مزج الدماء بألوان الرماد .. وذلك التلوين كان نوعاَ من أنواع الوشم الذي كان لا يفارق المرأة حتى الموت !! .. ومن زينة المرأة لدى أجداد الأجداد تلك الحلقات الفضية الكبيرة والثقيلة في الأوزان التي كانت تلبس في الساقين .. وكانت تسمى ( الحجل ) .. أما في الزمن الحاضر فقد تلاشت تلك المظاهر وأصبحت مرفوضة من أهل العصر والحداثة ., فهؤلاء لديهم مفاهيمهم الخاصة .. ويظنون أن ثقافتهم هي أرقى أنواع الثقافات .. وزينة المرأة في هذا العصر تدور حول مفاهيم الماكياج وتلوين الشفاه والأظافر والأدمة بالبدرة والكريمات .. ومن سخرية الأحوال لأول مرة في عرف البشرية تختفي ثوابت الألوان لدى الأنثى .. فسمراء البشرة تتحول فجأة إلى بيضاء البشرة .. وبيضاء البشرة تتحول فجأة إلى قمحية البشرة .. وحمراء البشرة تتحول فجأة إلى سمراء البشرة !! .. متناقضات من الألوان الجذابة وغير الجذابة .. وحالات عجيبة تفتقد المصداقية في جوهرها .. فلا يمكن لجازم أن يجزم صادقا في التكهن .. ثم ذلك السجال بين أجيال الماضي وأجيال الحاضر .. أهل الماضي يعيبون أهل الحاضر ويقولون ِ: ( أنظروا لجمال الماضي ،، حيث جمال الفطرة التي لم تتلوث بالبدرة !! ) .. وقد يقول قائل منهم ساخراَ : ( عريس العصر حين يدخل على زوجته في ليلة العمر يجدها وقد تحولت إلى أخرى عندما تزيل عن نفسها علامات البدرة والدهان ) .. وكذلك عندما تنزع عن بدنها الكثير من قطع الغيار الملفقة !! .. وأهل الحاضر كذلك يسخرون من مفاهيم الماضي ويقولون : ( أنظروا لزينة الماضي حيث أنوف البعير المثقوبة ) ،، ويشيدون بزينة العصر ويقولون : ( انظروا لتلك لأنثى السمحة التي تتوشح بزينة الألوان والبدرة ) .. وكما أسلفنا فإن الكل يمدح عصره وعهده من كل الجوانب ويعيب عصر الآخرين .. الأجداد كانوا يرون الجمال في ثقوب الأنوف والشروخ في الخدود واللون الثابت للشفاه .. وأهل الحاضر يرون الجمال في تلك البوهيات والدهانات والتلوين .. فتلك هي سنن الأجيال عبر السنين والأحقاب .. ومع ذلك فكل الأجيال دائما وأبداَ على السفر .. ودوام الحال من المحال .. وقد تأتي أزمان وأزمان يسخر أهلها من الشلوخ والثقوب كما يسخر من الدهانات والكريمات .. وسبحان الله مغير الأحوال .